أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم: حنا ميخائيل سلامة نُعمان.. بين أيدينا الآن كتاب بعنوان” المواطنة والهوية الوطنية، في الأردن والوطن العربي” من تأليف خبير علم الاجتماع الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش. ويجيء إصدار هذا الكتاب في وقت نحن أحوج ما نكون لمثله لما تقتضيه الظروف العامة، ولتصحيح مفاهيم سائدة حول “المواطنة والهُويَّة الوطنية”، وللإستدلال عليها والتَّوَصل لفهم فَحواها وصُوَرِها المختلفة ومؤدَّاها وغير ذلك من مسائل للتوعية والإرشاد والتعزيز.
إن تحليل مفهوم “المواطنة والهُوية الوطنيّة في الأردن والوطن العربي”، ومناقشة الأمر بالاستناد إلى مجريات الواقع، والفِكر السائد، ومُعطيات الأحداث لا يُعدُّ هذا كُلّه أمراً يسيراً يُمكِنُ لأي شخص الخوض فيه والبحث في أركانِه إنْ لم يَملِك مَن يَقوم بالعمل خِبرات واسعة ودراسات مُعزِّزَةٍ وتجارب غنية، وهذا مَعهودٌ بمؤلِّف الكتاب وبِما جَرى بهِ قلمه في مجموعة مؤلفات تصُبُّ في تحقيق المواطنة الحقيقية على أساس التآزُر والتضامن والتشارك لتكون بوصلة الجميع متجهة نحو الهُويَّة الوطنية الجامعة.
يستعرض المُؤلِّف في كتابه الذي لم ينحصر البحث فيه على البُعْد المحلي فقط، بل اتسعَ ليشملَ أبعاداً لبعض الدول العربية مِثل الإمارات العربية المتحدة ومصر وتونس والجزائر، يستعرِضُ نماذجَ لأنواع من المواطنة المعاصرة منها: المُوَاطنة القُطرية والقومية والعالمية وتلكَ مُتعددة الثقافات، ويقول:” إنَّ المواطنة القُطرية والهُويَّة الوطنيةالقُطرية السائدة في البلدان العربية تبقى الملاذ الأول للمجتمع لتمكين الدولة من حشد مواطنيها للتماسك والوحدة، والدفاع عن مكاسبهم، ومواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم”. وعليه يرى ضرورة مُلِحَّةً في تهيئة المؤسسات ورفع كفاءاتها لضمان نيل المواطنين على حقوقهم وحريتهم وَمُساواتِهم بالإضافة لما يترتب عليهم من التزامات حسب بنود دستور كل دولة وقوانينها المُعتَمَدة.
ويتطرق إلى الهُويَّة الوطنية مُحلِّلاً جوانبها في أنْ تكون هُويَّةً ذاتية للأشخاص أو هُويَّة وطنية جامعة وقد بيَّن الروابط التي تجمع بينهما، والعلائق التي تربط المواطن بالدولة ومؤسساتها من جانبٍ من مناحي الحقوق والواجبات وغير ذلك، ومن جانبٍ آخر علاقة المواطن ومسؤولياته تُجاه المجتمع نفسه الذي يعيش ضمن بوتقته. وقد بيَّن أن ما يتصف به الأفراد من مِيزات وما يقومون به من تصرفات وممارسات وسلوكيات فإن هذا كُلّه من المؤشرات التي تعكس صورة الإنتماء الحقيقي والولاء الصادق للدولة والوطن. ويُطالب ويُشدِّد في أن تكون الهُويّة الوطنية الجامعة أقوى وأوْلى من هُويّات الانتماء لذوي القُربى أو الهُويَّة المناطقية أو الطائفية أو تلك التي تربط أصحاب حِرَفٍ معينة مع بعضهم وغير ذلك من هُويَّات فرعية. كما يُطالب بجعل الهُويّة الوطنية المُنظِّمَ لسائر الهُويَّات لما تحمله من ثوابت قانونية واخلاقية تضمن الحقوق وما يترتب مِن واجبات طِبقاً للدستور، فَفي هذا كله ما يُمكِّن الحفاظ على بناء المجتمع متماسكاً قوياً بالإضافة لضمان الاستقرار وسير عجلة التطوير والبناء مهما كانت التحديات.
وتجِد في طيَّات الكتاب تحليلاً وافياً للمؤشرات المعرفية والسلوكية وأوْجُهِ كفاءة الفَرد في المجتمع وتَميُّزِه ليكون عُنصراً فعالاً يُشارك ويُسهم في مجتمعه ووطنه. ويتأتى تعزيز هذا من خلال المناهج الدراسية وأنشطتها لكافة المستويات ومن خلال وسائل الإعلام وبرامج التوعية والإرشاد والندوات وورشات العمل، ومِن “خلال توجيه الشباب نحو التعليم التقني المهني لمواجهة متطلبات سوق العمل، والابتكار وتطوير الإدارات الحكومية ورفع كفاءتها لتواكب التطورات التكنولوجية”. كما يُركِّز المؤلِّف على إعادة تقييم سياسة التربية على المواطنة الحَقَّة والتي هي: “عملية تربوية تهدف إلى تكوين النشء تكويناً وطنياً صحيحاً من خلال إكسابهم سلوكيات، ومفاهيم، ومهارات، ومشاعر المواطنة. حيث تشمل هذه العملية الجانب المعرفي المتعلق بالمعلومات والمفاهيم والتحليلات حول وطنهم والتي يكون عليهم معرفتها، واستيعابها، وممارستها”.
ولم يغب عن ذهن المؤلِّف الظروف التي فتحت المجال أمام الفكر الأصولي ليتمدد ونمو تنظيمات لها أيدولوجياتها الإقصائية خلال مرحلة ما سُمِّي بالربيع العربي ما يستدعي تحصين الشباب وتوعيتهم وحفزهم على تغليب الهُوية الوطنية على أية هُويَّة أخرى غير معتدلة بتفكيرها، ويُبيِّن بهذا الشأن ما ورد في ” رسالة عمّان” ويؤكِّد في أن تكون الرسالة ضِمن مناهج التربية الوطنية لما لها من أهداف لتعزيز الارتباط بين المواطنين بسائر معتقداتهم وجعل بوصلتهم نبذ كل ما يُفرِّق أو يجعل موضعاً لخطاب الكراهية والتنفير فالوطن يجمع الجميع تحت مظلته وهذا حال “الهُوية الوطنية الأردنية الجامعة المتسامحة التي يجدرُ تعزيزها “.
ويُركِّز الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش على ما جاء في الأوراق النقاشيّة الملكية من تصوراتٍ في غاية الأهمية لبرامج عملٍ وآلياتٍ ينبغي اتباعها لترسيخ مبدأ الديموقراطية كنهج حياة لأبناء الوطن، والمُضيِّ بما تؤهِّلهم من امتيازاتٍ ليكونوا مشاركين في المراقبة والمحاسبة، مع التحفيز للتوجه إلى صناديق الاقتراع كلما حلَّت انتخابات نيابية بما يُشكِّل تعبيراً حقيقياً عن ” المواطنة الفاعلة الأساسية”. يُضاف إلى هذا ضرورة تنمية روح التعاون ليكون كل فردٍ عُضواً فعَّالاً في المجتمع يمارس بما يملك من طاقات دوراً في إيجاد الحلول حيثما تواجدت تحديات وقضايا في المجالات المختلفة وهذا بحد ذاته يشكل مِحوراً بالغ الأهمية في تجسيد مفهوم المواطنة.
إن أي كتابٍ يصدُرُ ولا يضع المؤلِّف فيه توصيات ووجهات نظر منطقية هادفة لتحويله من مادة مكتوبة إلى واقع يتسنى تطبيقه لا يُعدُّ في نظري مُنجزاً متكاملاً، ومن هنا نجد الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش ومن باب خبرته الأكاديمية الواسعة وكما عهدناه في مؤلفاته السابقة وبحوثه يُقدِّم توصيات غير مُكلِفَةٍ على من يعنيهم الأمر ومن السهل أيضاً المُضي في تطبيقها. وهذا يتجسد في توصياته في هذا المُنجَز لتحقيق “المواطنة الفاعلة وترسيخ الهُوية الوطنية الجامعة ” سواء كانت التوصيات بما يتعلق بالأنشطة المدرسية والمعاهد والكليات الجامعية كذلك المناهج الدراسية أو في تأسيس مراكز تدريب لتنمية مهارات المواطنة وحفز الشباب للإنضواء تحت مظلتها في مشاركة فاعلة هادفة. وثمة توصيات ومقترحات لمواجهة الفقر والبطالة ولاستثمار منظّمات المجتمع المدني وتحفيزها لتنظيم دورات لتدريب الشباب على المواطنة الفاعلة وتوصيات كثيرة أخرى لا يتسع المجال لسردها هنا أو لتغطية مضامين الكتاب وأبوابه كلها فالكتابة عن هذا المُنجَز الذي احتوى على 363 صفحة لا تُغني عن قراءته مُشيراً هُنا لفوزه بجائزة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين للإبداع.