مقالات

كاتيا عباسي تكتب: المعادلة الصعبة..

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم كاتيا عباسي..إننا ببعض الأحيان نذكر من طفولتنا المبكرة قصصاً أعتقد أنها من ساهمت في صقل شخصيتنا. وأنه وبلا شك وبأخذ الجانب الجيني بعين الإعتبار، فإن الأهل والمجتمع ومراحل الدراسة الإبتدائية هم من يشكلون من نحن الآن. وكما أكدت الدراسات العلمية فإن شخصية الإنسان تتكون وتتشكل في الخامسة وبعد ذلك كلها عوامل مساعدة، أي أن السنوات الأولى من حياتنا تكتب عناوين الفصول المقبلة بكل تأكيد.

فإسمح لي الآن ببضع دقائق من وقتك، اسمح لي أن أسرد لك قصةً بكل تفاصيلها حقيقة وليست فلماً ذو صناعة هوليودية ولا تصلح حتى لأن تكون حلقة في مسلسل تركي. لاختصار السرد وعدم الخوض بالتفاصيل وجعلها مملة، فإنني وعندما كنت بالصف الثاني الابتدائي كان لدينا امتحان أذكره بتفاصيله جيداً، اسم المادة واسم المعلمة وأين كنت أجلس والصف نفسه بكل ما احتواه من جدران وكراسي وصبورة وطباشير وزي مدرسي وقمع وشعور بالضعف. كم شعرت في حينها بأن المعلمة تملك سلطة لا محدودة وأن العلاقة بيننا هي علاقة رئيس وعبده لا أكثر.

وفي يومٍ ما كان لدينا امتحان وبحسب تعليمات الوالد ممنوع الغش ولا التغشيش وبما أن كلام الوالد خط أحمر وآخذه بمنتهى الجدية، بالإضافة الى جملته الشهيرة الواحد لازم يكون صاحب مبدأ مهما كانت الخسائر. وعليه أصبح مبدأه مبدأي وما يقول أفعل. ولكن في ذاك اليوم قامت إحدى الزميلات بالنقل عني والذكاء القاتل يتمحور بالنقل بالحرف والنقطة والفاصلة تعبير بسيط  وهو دليل قاطع على عبقرية هذا الشخص، وبما أن الكتابة جزء مني فإن اللغة العربية والاجتماعيات والتاريخ لاحقاً أصبحوا المواد المفضلة لدي. ولكن عّندما قامت المدّرسة بالتصليح في وقت لاحق وجدت أن الاثنتين قد كتبتا نفس التعبير. 

وبما أن النظام التعليمي ملهم ومستوحى من اليابان ويعتبر الطفل هو محور العملية التربوية، فقررت المعلمة بأنني من قام بالغش دون حتى أن تسألني وتم طردي من الصف أمام الجميع وبالتأكيد لأنني أحضر الفوضى أينما أذهب والمعترض الاول وهذا الامتحان الأول واللقاء الاول بيننا وعليه يجب أن أعاقب. وكما في فنلندا عقاب الأطفال بالإهانة هو من أهم مخرجات العملية التعليمية في حينه وهكذا حدث. وبعد عدة ساعات من الانتظار الطويل والغضب والشعور بالظلم وسلب الحرية والإهانة، تذكرت أمي فقد كانت تقول تكلم ولا تخف فالموت يجرب مرة واحدة فقط. فقمت بفتح باب الصف بغضب والصراخ بأعلى صوت مش من حقك اتخليني برة ومش من حقك تعملي معي هيك حتى لو كنت غلطانة عندي أهلي وهم الي المسؤولين عن تربيتي مش انتِ، والبنت كذابة وخلينا نعيد الامتحان ونشوف مين الي صادق ومين الي كذاب. وقد تكلفت الوالدة بالباقي في اليوم التالي.

أما أنا فقد تعلمت الكثير من تلك الحادثة، وعلى الرغم من أنني شهدت مواقف اشد وأعنف وأظلم إلا أن هذه الحادثة قد تركت أثراً مازال القلب يحمله. تعلمت يومها أن الحق يكتسب ولا يستحق، لن ينصفك إنسان إن تغاضيت عن حقك، وصوت الحق يعلو ولا يُعلى عليه. ولاحقًا أدركت أن العدالة الاجتماعية ونزاهة القضاء هما العاملان الأساسيان لنهضة الشعوب، والتعليم أهم أركان النهضة فهو الذي يرسخ مبدأ النزاهة والشفافية وحب الوطن والحرية والوحدة والأمل. ولكن ان لم تتكلم لن تحصل على هذا الحق، فالحياة ليست معادلة رياضية على طرفيها الأيمن والأيسر أن يتساويا مهما اختلفا ظاهرياً. فالحياة معادلتها مختلفة، فإن من يحمل مبدأ الحق والعدل على كتفه و يؤمن به من كل قلبه يضع نفسه أمام أصعب معادلة وهي الخيار بين الموت والموت. على قولة نزار قباني إني خيرتك فاختاري، المهم مهما كان الخيار فالنهاية واحدة.

لا أعلم ماذا ستقرأ عنا الأجيال القادمة وماذا سيذكر التاريخ عنا  ولكن أعلم جيدا أنه لن يبقى في تلك السطور الا الوطن وعليه تكلم ولا ترضى بالمهانة فالموت يأتي مره واحدة فقط. تكلم فإن الحق يكتسب ولا يعطى والاحترام يفرض ولا يساوم عليه والأمل يزرع بقلوبٍ مؤمنة والشمس ستشرق كل صباح والوطن للجميع. “فالطيور التي تولد في القفص تعتقد أن الطيران جريمة” (منقول)، فاسمحوا لي أن أدلكم على صوت أقوى من دوي المدافع؟ إنه صوت الحق ينبعث من قلب أمة متحدة تريد أن تعيش حرة (جورج واشنطن)…..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى