مقالات

الدكتور عزمي حجرات يكتب : مئوية الدولة.. ولادة من الرماد

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم الدكتور عزمي حجرات.. لا يستطيع أي كاتب أن يوجز مئة عام من تاريخ شعب في عدد من الصفحات، فعظمة الشعوب التي ناضلت لإثبات حقها في الحياة، أعظم بكثير من أن تختصر، والأردن دولة قامت من الرماد، متحدية بذلك كل التوقعات، والمؤامرات التي سعت إلى إجهاض هذا الحلم الذي ارتسم لدى أبناء القبائل التي سكنت شرق الأردن.

إن الأردن هو بحق وليد الثورة العربية الكبرى، وباقيةٌ من رائحة العرب الأحرار الذين تنادوا في دمشق بالشريف الحسين بن علي قائداً لهم بوجه الظلم العثماني الذي نتج عن ضعف الخلافة العثمانية، وبروز القومية التركية في المنطقة العربية.

وأما حكم الهاشميين للأردن، ما هو إلا نتاج وعي القبائل البدوية العربية التي أدركت ضرورة الوحدة تحت قيادةٍ شرعيةٍ عربيةٍ أصيلة، فتنادى السادة الذوات (عليهم رحمة الله): عودة أبو تايه، سعيد خير، مثقال الفايز، رفيفان المجالي، كامل القصاب، كامل البديري، أمين التميمي، عوني القضماني، عوني عبدالهادي، يوسف ياسين، سليمان النابلسي،ونبيه العظمة، بفكرة دعوة سمو الأمير عبدالله ابن الشريف الحسين بن علي للقدوم لتأسيس دولة في شرق الأردن. وفي 29\2\1921 رفع سعيد خير (مسؤول الحملة المالية لتأسيس الامارة) وعودة أبو تايه عريضة طالبت فيها عشائر عمان الأمير عبدالله بالقدوم لتوحيد شرق الأردن لتبدأ مسيرة بناء دولة.

لقد مرّت مسيرة الدولة الأردنية في أربعة مراحل رئيسة، مرحلة التأسيس والإستقلال بعهد المغفور له الملك عبدالله الأول، ومرحلة الدستور بعهد المغفور له الملك طلال بن عبدالله الأول، ومرحلة البناء والإستقرار في عهد المغفور له الملك الحسين بن طلال، ومرحلة تعزيز الإستقرار في عهد الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه. وأهم تلك المراحل حسب وجهة نظري الشخصية هي الفترة الممتدة من عام 1953 حتى العام 1999 وهي فترة حكم المغفور له الملك الحسين بن طلال لما شهدته من تحديات هددت بشكل أو بآخر الإستقرار السياسي وقيام الدولة.

في فترة تولي الملك الحسين بن طلال مقاليد الحكم في الأردن، كان الأردن مهدداً بالزوال بسبب التوسع الناصري الساعي إلى السلطة، عبر محاولات اغتيال باءت جميعها بالفشل ولله الحمد، وكان المخطط الآخر بزعامة الليكود الصهيوني الذي سعى جاهداً إلى استبدال فلسطين بالأردن كحل للقضية الفلسطينية.

ولما كان الصراع العربي-العربي هو السائد في تلك الحقبة، وكانت الشعوب العربية ترى في أمريكا الدولة الإمبريالية والعدو الأول للعالم العربي وقضاياهم، كان الاتحاد السوفيتي  هو المعسكر الذي لجأ اليه المعسكر المضاد و الذي شمل كل من سوريا ومصر، ونادت المعسكرات التابعة للإتحاد السوفيتي بالثورة وإسقاط الحكم الهاشمي في الأردن،فقدمت التمويل لقوى المعارضة دعماً لمسعاها. فكان الإستقرار السياسي ليس بالأمر الهين، وكانت القضية الفلسطينية هي ساحة الصراع العربي-العربي، والتي اعتبرها الهاشميون قضيتهم الأهم نظرا لوضعهم الديني ونسبهم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فكان القرار رقم 242 الصادر عن الأمم المتحدة على خلفية نتائج حرب 1967 بجهود المغفور له الملك الحسين بن طلال هو بمثابة الإعتراف الدولي بإحتلال إسرائيل للأراضي العربية، قرار لم يتنازل عنه المغفور له كأساس لأي مفاوضات دولية بين الاسرائليين والعرب في قضية فلسطين.

وعلى مدى عقود أصبح الأردن عنصراً هاماً في الساحة العربية، وبوابةً رئيسيةً فيما يخص الصراع العربي-الإسرائيلي حتى اتى كامب ديفيد، وكان من ضرورات إتفاق كامب ديفيد إزاحة الأردن عن القضية الفلسطينية، فكان مؤتمر الرباط الذي دعمت فيه الدول العربية وبتحركات مصرية إلى تسليم القضية الفلسطينية وبصورةٍ مطلقة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي أراح كسنجر وزير خارجية أمريكا من الضغوط الأردنية، والتي أُعتبرت معطلاً لجهود مصر في استعادة سيناء، وحجر عثرة أمام أمريكا ودعمها لإسرائيل. فكان الإختلاف الأردني-المصري أن الأردن سعى إلى فرض حل شامل لكافة القضايا العربية-الإسرائيلية، بينما سعت مصر إلى حل قضيتها فيما يخص شبه جزيرة سيناء منفردةً ومنفصلةً عن أي قضيةٍ أخرى، فحصلت العزلة المصرية نتيجةً لذلك.

وبسبب الصراع العربي-الإسرائيلي والصراع العربي-العربي، سعى الأردن بقيادته الهاشمية إلى بناء قوة عسكرية من شأنها الدفاع عن إستقلاله ووحدته، وبناء جهاز الأمن الداخلي بكافة وحداته حفظاً لأمن المواطنين واستقرارهم، الأمر الذي جعل الأردن جنةً من الأمن والأمآن في وسط جحيم من الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية.

أما من الناحية الإقتصادية، فقد عانى الأردن من نقص الموارد الطبيعية،فسعى المغفور له الملك  الحسين بن طلال إلى بناء قدرةٍ سياسيةٍ قادرةٍ على ضمان الدعم الدولي لأجل حماية الإستقلال الذي حققه جده المغفور له الملك عبدالله الأول. وكان إهتمام الحسين بالتعليم احد الأمور الرئيسة في بناء الدولة، حيث تمكن من جعل التعليم متاح للفقير والغني على حدٍ سواء، وتم تأسيس الجامعة الأردنية في العام 1962 ليتبع ذلك تأسيس عدد من الجامعات الحكومية والخاصة فيما بعد.

اليوم، وبعد مرور مئة عام على إنطلاق الدولة الأردنية، نجح الأردن بفضل القيادة الهاشمية التي نادى بها الأردنيون طواعية، إلى تحقيق الإستقرار السياسي والإقتصادي. لقد نجح الملك الحسين في تحصين الأردن وتسليحه، ونجح في خلق حياةٍ سياسيةٍ حقيقية إنعكست على التنمية الإقتصادية والإستقرار في المملكة، فنهض الأردن من الرماد كطائر الفينيق، دولة لها مكانة دولية وتاثير سياسي في القضايا العربية والإقليمية، ورمزاً للنخوة العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى