مقالات

أحلام ناصر تكتب: محاكمة الضحية وإشكالية التعليم الإفتراضي في زمن كورونا

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم أحلام ناصر .. أتفهّم كما يتفهّم الكثير في العالم، أن مواجهة الكوارث الطبيعية، ومنها جائحة كورونا، أن يكون لها الأثر ليس فقط على الحياة الإجتماعية والإقتصادية وإنما على المؤسسات التعليمية وبرامجها وتوجهاتها. فاضطرت المؤسسات التعليمية الى اتخاذ تدابير وقائية صعبة، وصارمة للحفاظ على سلامة الطلبة في كافة المستويات التعليمية ومنها التعليم العالي. من أجل الحد من الضرر تسببت به الجائحة على مخرجات التعليم، والتكيّف مع الواقع الجديد التي فرضه الوباء على العالم.

إن مثل هذه الإجراءات وما ترتّب عليها من أعباء مالية إضافية وخسائر متوقعة في مؤسسات التعليم العالي، لا بل فقدان العديد من الوظائف في هذ القطاع حتى الآن، والمتوقع فقدان المزيد منها نتيجة للمتغيرات الحالية والتوقعات المستقبلية، باستمرار التغيير الجاري في الأنماط التعليمية في بعض البرامج والتخصصات الأكاديمية والذي قد يستمر حتى بعد التغلب على هذه الجائحة.

إن التغيرات التي تم تبنّيها في مؤسسات التعليم العالي ليست فقط لخدمة استمرارية التعليم، والحفاظ على رؤوس أموال وإستثمارات مالكي هذه المؤسسات، بل في المقام الأول للحفاظ على مستوى تعليمي جيد لأبنائنا الطلبة في الوقت الحالي، وتمكينهم المعرفي والمهني من أجل الأمن الإقتصادي والإجتماعي في الدول.

إن التعليم عن بُعد يُضاهي في قيمته التعليم في قاعات الجامعات، لا بل فيه استثمار للوقت وتقليل للتكاليف، وإعطاء الفرصة لطلبة الثانوية العامة في هذه السنة من الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية. هذا لا يعني أنني لا أتفهّم بأن بعض التخصصات تحتاج الى خصوصية في التعليم مثل الطب والزراعة وغيرها من المهن التي تحتاج الى تدريب عملي وحضور مختبرات خاصة، كجزء جوهري في العملية التعليمية.

فالتعليم الإلكتروني ليس بالجديد، وهناك إعتراف في الأردن من قبل وزارة التعليم العالي بعدة جامعات تتّبع منهج التعليم الإلكتروني سابقاً للجائحة، كما أنه هناك عدم اعتراف ببعض الجامعات بالرغم من أنها تقدم خدماتها التعليمية في قاعاتها. فالأمر ليس معني بموقع التعليم وأسلوبه بقدر اعتماده على جودة التعليم ومخرجاته التي تعتمد على معايير وأسس علمية يتم من خلالها اعتماد كافة أساليب ومناهج التعليم المختلفة.

بداية، دعونا نفرّق بين منهج التعليم الإلكتروني (online learning or e-learning) وبين منهج التعليم عن بُعد في حالات الطوارئ  (Emergency Remote education).

إن التعليم في حالات الطوارئ (Emergency Remote education) والمطبّق حالياً في مختلف الصروح التعليمية في العالم لفترة مؤقتة لحين إنتهاء الجائحة ، فهو برنامج مؤقت، هو فقط نقل من قاعات المحاضرات في الجامعات الى القاعات الإفتراضية، بحيث تتم المحاضرات في القاعات الإفتراضية وبنفس الأسلوب التعليمي في قاعات الجامعات، وذلك من أجل الحفاظ على سلامة ومستقبل الطلبة ، حيث يتم تسجيل الحضور والغياب واحتساب نسبة المشاركة للدورة التعليمية بنسبة 20% من إجمالي أعمال المادة التعليمية ، إضافة الى عقد الإمتحانات بأساليب مختلفة ، منها ما يخضع لإجراءات رقابية مباشرة من خلال كاميرات مراقبة في حالات معينة ، ومن خلال فحص السرقة الأدبية والانتحال (plagiarism) والتركيز على استبدال الإمتحانات بكتابة المقالات والأبحاث العلمية، ودراسة المقالات والبحوث العلمية وتحليلها وإعداد النقد العلمي وغيره ، والتي تعتبر محور رئيسي في برامج التعليم العالي.

بل على العكس فإنني أرى أن هناك فائدة إضافية للتعليم عبر منصات التعليم الإفتراضي، أنه يمكّن الطالب من مشاهدة المحاضرة عدة مرات وهذا يعود بالفائدة على جودة التعليم، أما التعليم عن بُعد (online learning) فهو تعليم مفهوم في مضمونه ومعتمد في بعض الدول لبعض الجامعات ويعني توفير كافة الموارد لاستخدامها من قبل الطلبة وليس بالضرورة الحضور التفاعلي للمحاضرات ويكون طول فترة البرنامج التعليمي ويتم تلقي التعليم من أي موقع في العالم ويتمتع بالمرونة في الزمان والمكان.

إن تحوّل التعليم في القاعات الإفتراضية حالياً ليس خياراً للطالب كون هذا الأسلوب التعليمي الوحيد المتوفّر ، وهذا الأسلوب هو أسلوب مؤقت لجامعات معتمدة مسبقاً في الأردن ، فأعتقد حالياً على الدول ومنها الأردن عوضاً عن التفكير في إعتماد أو عدم اعتماد شهادات الطلبة من مختلف الدول التي ما زالت في خضم الجائحة، التفكير في تقييم هذه البرامج ومساعدة الطلبة في تذليل العقبات أمامهم ومنها توفير أجهزة الحاسوب والإنترنت في أماكن سكنهم وتوجيههم للإستفادة من هذه البرامج التعليمية ، وتوعية الأهل حول كيفية متابعة أولادهم وتذليل العقبات أمامهم من أجل جودة التعليم. كما يمكن تعويض الطلبة بحضور مجاني في الجامعات الأردنية للمواد التعليمية في حالة تحقق قيمة مضافة للمخزون التعليمي للطالب.

ما الخطأ الذي اقترفه الطالب لجعله بدلاً من أن يفكر في التركيز على دراسته ، تحميله أعباء قرارات مؤسسات تعليمية لدول ليس أمامها خياراً إلا تغيير نهج التعليم لتقليل الضرر على الطلبة والحفاظ على مستقبلهم، وما اقترفه الأهل حتي يتم زجّهم في مثل هذه المشاكل التي ليس لهم بها حول ولا قوة ولا حتى لهم بها حرية الاختيار بالرفض أو القبول، فقد سعوا الى قبول أولادهم في جامعات معتمدة منذ البداية ووفروا لهم الرسوم الدراسية والله أعلم بأي شكل كان ذلك وعلى حساب من. هنا يتمحور دور دولة المؤسسات ، هنا تظهر نجاحات الحكومات في الأزمات وفي عقلانية حلّها بأقل الخسائر.

وفي الختام، فنحن نتحدث عن مخرج تعليمي لسوق العمل ، فلندع سوق العمل هو من يحكم على مخرجات التعليم ، وعلى الطالب أن يتحمل تبعيات عدم إلتزامه بمتطلبات التعليم، مع أنني لا اتفق مع قرارات ترامب المختلفة، إلا أن من واقع خبرتني العملية في القطاع العام والخاص والمؤسسات الدولية وخبرتي البحثية والأكاديمية، اتفق معه في قراره الأخير حول اعتماد الكفاءات والمهارات العملية أكثر من الشهادات لغايات التعيين في المؤسسات.

أحلام ناصر .. مساعد تدريس جامعة يورك / كندا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى