الحمد لله الذي خلق الخلق فقدر أمورهم: (إنَّما أمره إذا أرادَ شيئا أنْ يقولَ له كُنْ فيكون)، الذي أنزل الداء وجعل له الدواء، الرحيم بخلقه، الحكيم بفعله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، إمام المتقين، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛
فنهوضاً بما أخذ الله علينا نحن مدرسي كلية الشريعة في الجامعة الأردنية من واجب النصيحة لأمتنا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلَّم: “الدينُ النَّصيحة”، فإنَّنا نذكر بالأمور الآتية:
أولاً: إنَّ وجودنا في هذا الوطن الأبي الأردن قائم على التشارك في الوجود والمصير، فلا يستغني الفرد فيه عن أبناء مجتمعه، ولا يستغني المجتمع عن أفراده، ويمثل المجتمع مؤسساته، ابتداءً من مؤسسة الحكم، ومروراً بالمؤسسة العسكرية، والأمنية، والطبية، وهكذا. لذلك فكما أنَّ الدولة مسؤولة عن حماية أفرادها أمنياً وعسكرياً وصحياً واقتصادياً، فإنَّ الفرد مسؤول عن حماية نفسه، بحفظها من كل خطر، أو مرض محتمل، وبأن لا يعرضها لخطر الهلاك، فقد أمرنا الله تعالى بأن لا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة. قال جلَّ وعلا: ” ولا تقتلوا أنفسَكم إنَّ الله كان بكم رحيماً”، والفرد مسؤول في الوقت نفسه عن حماية أبناء مجتمعه، لأنَّه مرتبط بهم يشاركهم في شتى مناحي الحياة، ولا يستغني عنهم، وتتلخص مسؤوليته بدعم أبناء المجتمع الأردني، وإعلاء شأن هذا المجتمع المعطاء، وأن لا يكون سبباً في إضعافه، وإرباك مؤسساته، وذلك عملاً بقوله صلى الله عليه وسلَّم: “المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدُّ بعضه بعضاً، ثمَّ شبَّك بين أصابعه”.
ثانياً: كما يَطلبُ المواطن من الدولة أن ترعاه وأسرته طبياً، وتلبي حاجاته الأساسية، فإنَّه يلزمه شرعاً أن يتبع تعليماتها، وإجراءاتها باعتبارها تدابير اقتضتها ظروف طارئة للصالح العام، إما بجلب المنافع، أو بدفع الأذى والمفاسد، فطاعة المسؤولين في كل ما فيه خير الأمة وحمايتها واجبة، لقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وإنَّ ابتلاء العالم بوباء “فيروس كورونا” قد تأثر به الأردن كما تأثرت به بقية الشعوب والدول، من هنا فإنَّ مسؤوليتنا الشرعية والأخلاقية والاجتماعية تحتم علينا أن نقوم بواجبنا كأفراد تجاه مجتمعنا ومؤسساتنا السياسية، والأمنية، وسائر المؤسسات، وتجاه كل فرد يقيم في الأردن مواطناً، أو مقيماً، ببذل كل ما أمكن من جهد بدني أو مالي أو خدمي أو طبي أو إسعاف، أو أي جهد فكري أو توعوي أو تربوي، قال تعالى: “ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره”. وقال رسوله صلى الله عليه وسلَّم: “مَثَلُ المُؤمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم وَتَرَاحُمِهم وتَعَاطُفهِم مَثلُ الجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضوٌ تداعَى لَهُ سائِرُ الجسدِ بالسَّهَرِ وَالحُمَّى”. وقال عليه الصلاة والسلام :” أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس”. وقد أرشدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام لقواعد التعامل مع الوباء، فقال عليه الصلاة والسلام: “إذا سمعتم بهِ بأرضٍ، فلا تَقْدُموا عليه، وإذا وقعَ بأرضٍ وأنتم بها، فلا تَخرجُوا فِراراً منه”، وقال أيضاً عليه أفضل الصلاة والتسليم: “أمسِكْ عليكَ لسانَك، وليسعك بيتُك، وابكِ على خطيئتِك”.
ثالثاً: إنَّ الجندي ورجل الأمن الذي يرعى النظام ويحفظ أمننا مرابط في سبيل الله، وكذلك الطبيب والممرض الذي يبذل جهده للتخفيف من الآلام التي يعاني منها المرضى، وكذا الخباز الذي يمد المجتمع بخبزه، وكل من يزوده بالسلع والخدمات الضرورية، والأطقم التي تدير عجلة الانتاج، والمعلمون الذين ينهضون بواجبهم في تعليم أبنائنا، والأمهات والزوجات القائمات على تدبير الأمور في بيوتهن، ومن يلتزم في بيته طاعة لإجراءات الدولة، وتجنباً لأذى نفسه وأذى الآخرين، كل هؤلاء لهم أجر عظيم، قال تبارك وتعالى: “إنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملا”، وقال أيضاً: “واصبِرْ فإنَّ الله لا يُضِيعُ أجرَ المُحْسِنِين”.
رابعاً: اعترافاً بالفضل لأهله، فإنَّنا ندعو الله تعالى لجلالة الملك، ومؤسسات دولتنا بدوام السداد والتوفيق، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، فقد قامت مؤسساتنا التي نعتز بها ونفتخر، بتقديم أقصى جهدها، لحماية كل المقيمين على ثرى الأردن الغالي، إن في مجال مقاومة الوباء، أو تنظيم الحياة داخل المجتمع الأردني، أو في العمل على توعية الناس عبر الوسائل الاعلامية العامة والخاصة بخطورة هذا الوباء، وآليات انتشاره، وكيفية الوقاية منه، وفي المقابل فقد تجاوب الغالبية من أفراد المجتمع والقاطنين فيه مع التعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية، بل تفجرت طاقاتهم الإيجابية ببذل ما أمكنهم من مال أو جهد خدمي، ممَّا ساعد في الحد من انتشار هذا الوباء سريع الانتشار، فحققوا بذلك أسمى معاني الأخوة والتعاضد، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلَّم: “المسلمُ أخو الُمسلِم، لا يَظلمُه ولا يسْلِمُه، من كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه، ومن فرَّجَ عن مُسلمٍ كُربةً فرَّج اللهُ عنه بها كُربةً من كُرب يوم القيامة، ومن سَترَ مسلماً سترَه اللهُ يومَ القيامَة”.
غير أنَّه يعزُّ علينا أنَّ نفراً من أبناء مجتمعنا الطيب لم يرتقوا إلى مستوى الحدث، فلم يتقيدوا بما يجب عليهم من حماية أنفسهم ووقاية مجتمعهم، ولم يتحملوا مسؤوليتهم تجاه أمتهم. أبناء مجتمعنا العزيز؛ إنَّنا في سفينة واحدة هي سفينة الوطن الغالي إذا خرمها أحدٌ غرقت بنا جميعاً، وإن حافظنا عليها نجونا جميعا، ومن هنا نهيب بنشامى الأردن أن يستشعروا واجبهم ومسؤوليتهم الاجتماعية ، ويتجملوا بالصبر والأناة، ويتعاضدوا بمزيد من التكافل والتعاون في سبيل الوقاية من هذا الوباء، والقضاء عليه بأقرب وقت بحول الله تعالى، ونذكرهم بقوله عزَّ وجلَّ: “وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان”، وقوله صلى الله عليه وسلَّم: “لا ضَرر ولا ضِرار” .
خامساً: للدولة أن تتخذ من الإجراءات والتدابير الاحترازية ما تراه مناسباً للوقاية من هذا الوباء بحكم ولايتها العامة، وهي الجهة الوحيدة المخولة في تقدير المصالح بما تملك من الخبرات والخبراء في كل التخصصات وبما لديها من النظر العام، وهذا ما قرره الفقهاء بوضعهم قاعدة: ” تصرف الراعي على الرعية مَنُوط بالمصلحة”، وتأسيساً على ما ذكرنا، فإنَّه يجب على كل مقيم في الأردن مواطناً أو مقيماً الالتزام بكل ما يصدر عن الدولة من قرارتٍ وتوجيهات؛ حمايةً لنفسه، وأسرته، ومجتمعه، وجميع الإنسانية.
سادساً: نهيب الجميع بحسن التوبة والإنابة، وكثرة الاستغفار، والإلحاح على الله تعالى بالدعاء، فإنَّه من أنفع ما يرفع البلاء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وإنَّ البلاء لينزِل فيتلقَّاه الدُّعاءُ، فيعتلجان إلى يوم القيامة”.
وختاما فإنَّنا نسأل الله العظيم أن يحمي وطننا وبلاد المسلمين والعالم أجمع من شر هذا الوباء وغيره من الأدواء، وأن يجعل بلادنا واحة أمن وأمان، وأن يوفق قيادتنا الهاشمية لكل خير، ويجنبها كل مكروه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على المبعوث رحمةً للعالمين.