أخبار الأردن-نبراس نيوز- صدر حديثاً عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع سيرة الأديب الراحل عدي مدانات بعنوان ” ترحال.. عدي مدانات.. حكاية أعيشها” من تأليف إفلين الأطرش.
كتب الكاتب محمود شقير عن هذه السيرة:
بعد رحيل الأديب الكبير عدي مدانات، بأيام وأسابيع وشهور، تأسّينا على افتقادنا لسيرته التي كتب جزءًا منها ثم حذفه وألغاه؛ جرّاء تشدّده مع نفسه ومع كتابته.
الآن، بعد هذه السيرة التي أنجزتها إفلين الأطرش، لم يعد من حقّنا أن نتأسّى أو أن نشعر بالأسف. فقد كتبت إفلين سيرة عدي بتفاصيلها الحميمة بجدارة واقتدار.
نحن هنا أمام ذاكرة متدفّقة حافلة بأدقّ التفاصيل وبأكثرها حميميّة؛ بحيث نرى عدي مدانات على امتداد الصفحات، كما لو أنه هو الذي يكتب وهو الذي يتذكّر.
هنا تتجلّى حرارة التجربة التي تجعل المتلقّي متعاطفًا مع عدي في مسيرته الطويلة الغنيّة المتشابكة، وتتجلّى في الوقت نفسه قدرة الكاتبة على الوصف المسهب لتفاصيل الحياة الأسرية التي جمعتها بعديّ وجمعت عدي بها، وكذلك وصفها للأمكنة سواء أكان ذلك في الأردن وفلسطين أم في غيرهما من البلدان.
ولا بدّ من التنويه باللغة السلسة في هذه السيرة التي لا تعقيد فيها ولا التواء، والتنويه كذلك بالخطاب السردي الموجّه إلى الشخصيّة الرئيسة عبر ضمير المخاطَب؛ فلم يغب عدي لحظة واحدة عن عين المتلقّي، بل كان دائم الحضور بكلّ ألقه وبكلّ صفاته النبيلة.
أمّا مسك الختام فهو ماثلٌ في تلك الصفحات التي كتبها عدي في أوّل سيرته التي لم يكملها، فأكملتها زوجته الوفيّة على نحو جاذب لا نقصان فيه.
وبمناسبه صدور سيرتها الذاتيه والغيريه عن زوجها المرحوم عدي، عن دار الأهلية للطباعة والنشر، كتبت أفلين الأطرش:
“بعد رحيل “عدي” المبكر، والسريع، والأشدّ وجعا من كلّ حقائق الحياة، أعيش تحت ركام هذا الزلال. ولم تكن صيغ تحايل أمارسها إلاّ سلوكيات ترتدّ سلبا على نفسي قبل غيري. أدركت أنني أتعدّى على طمأنينة تجاهنا رافقته، وأن عليّ الخروج منها بإحلال غيرها.
أعود إلى استعادة مراحل حياتية، وأراه كما هو في كلّ منها، فأقول له : إنّه أمر سهل أن يختار إنسان ما طريقا وحيدا يسلكه، ليكون منطلق سعيه، بعد تشعّب طرق بدايات صناعة نفسه. لكن أن يّبقي آخر على تلك التشعّبات مجتمعة، ويسير فيها بثقة، وبثبات، وبصلابة وبعدم انحياز، فإنه لأمر صعب. ألذلك لخّصت نفسك في جملة واحدة من مقدّمة سيرتك الذاتية” فأنا لم أتغيّر في المجمل، فلقد شددت وثاقي على قناعاتي ونهجي طوال حياتي”؟ فمن أين تأتّى ذاك اليقين العميق؟
أمن محبّة وترابط أسريين كبيرين، وحاضنة اجتماعية لا تقلّ أهمية؟ أم مقوّمات ذاتيّة تجبلها الأيام وملاحقة إفرازاتها؟ ام الإيمان الشديد بأهمية الاستمرار لتحقيق أحلام مشتركة مع الناس جميعا؟ أم فكر وثقافة ورؤية دقيقة بقيمة الإنسان على أرضه، مهما ضؤلت مواردهما الماديّة؟ أم الوصول إلى كرامة العيش المتساوي، لتكون الحياة أفضل وأعدل، فتصير أجمل؟ أم كلّها مجتمعة لتشكّل رافعة راسخة للنهوض بأيّة محطة حياتية فارقة؟
صار لافتقاد سيرة بدأ كتابتها، ولم يتمكّن أحد من استرداد ما أقدم على محوه، أثره الحزين، لتزداد مطالبة الأبناء بشكل خاص، بوجوب تسجيل سيرته. لكنّ الاقتراب من الكتابة، ما كان يرجوه ويتمنّاه دوما، ويستحثّني على الإقدام عليه. فهل سأنهض بكذا مسؤولية تُلقى على عاتقي؟ وهل سيرى ما تمنّى دوما إقدامي عليه؟ ألن يكون في ذلك خيانة لثقة بخطوة كنتُ أجد الحجج المتنوّعة لأبتعد عنها؟ أسيرضيه هذا الاقتراب المتأخر؟ وهل.. وكيف.. وماذا.. وتتابع توالدها.
تضعفني أسئلة دون إجابات ذاتية مُقنعة، وتشدّني مسؤولية دوافع انطلقتُ منها لدى مطالبتي له كتابة سيرته، فتطلّ أشكال التحايل لإضعاف الشعور بالتردّد. يقوّي مسؤوليتي ويعزّزها، عهدي له بأن أبقى كما يراني، وتجذبني ابتسامة فرحة مشجّعة، استقبلني وودّعني بها. فأنحاز لما هو عليه، مواجهة الصعب باتخاذ القرار الأصعب؛ ففيه تغليب رسالة حياة حيّة للمتابعة.