أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم داود كُتّاب.. هناك تقليد جميل في البرلمانات العالمية. حيث يتم اعتبار رئيس البرلمان المنتخب بأغلبية ممثلي الشعب أنه يمثل الجميع وليس الحزب الذي ينتمي إليه. وحتى في وجود حوار مثير وخلافي فإن الرئيس دائماً يحاول جاهداً أن يلعب دور الحكم المحايد. ولكن إن رغب رئيس البرلمان بتقديم رأي منحاز لفكر معين فإن التقليد يطلب منه أن ينزل عن كرسي الرئاسة مؤقتاً وينظم لباقي النواب ومن ذلك الموقع يمكن أن يقول ما يريد حتى لو كان فكراً منحازاً لطرف ما وبعد ذلك يعود للمنصة ويدير الحوار بصورة محايدة.
فكرت كثيراً بهذا التقليد عند سماعي لتصريحات الأب خريستوفوروس عطالله مطران طائفة الروم الأرثوذكس في الأردن ورئيس مجلس رؤساء الكنائس. سيادة المطران تم تقديمه من قبل وزير شؤون الإعلام وتحدث عبر المنصات الإعلامية الرسمية للدولة الأردنية بصفته رئيس مجلس الكنائس حول قرار منع قيام الصلوات في كنائس عمان والزرقاء بسبب تفشي وباء الكورونا في أحد الكنائس العمانية.
بعد تقديم فقرة مناسبة تحدث فيها عن أهمية الحماية الصحية وضرورة إتباع قرارات الجهات الحكومية إنتقل سيادة المطران الى نقد شديد وغير مناسب حول طبيعة وقانونية الكنيسة التي تم اكتشاف المصابين فيها. واستمر سيادته بالتحريض على كنائس مسيحية تعمل في الأردن منذ أكثر من قرن وتقدم خدمات روحية وإنسانية.
في المقابل فكان للحكومة وكافة دوائرها الأثر الإيجابي بمهنيتهم ونجاعة عملهم كما عبّر عن ذلك القس ديفيد الريحاني رئيس كنيسة جماعات الله الكنيسة الانجيلية التي تأسست في الأردن منذ أكثر من قرن وذلك في مقابلته مع راديو البلد حول ما حدث لكنيسة جماعات الله في الاشرفية.
قد تركت أقوال المطران مرارة لدى العديد من المسيحيين والذين شعروا بأن سيادته لا يمثلهم ولا يمثل المسيحيين بل يمثل طائفة واحدة وأنه غير قادر على تقبل فكر ولاهوت مختلف عن الكنيسة الأرثوذكسية.
لقد تشكّل مجلس رؤساء الكنائس بهدف لم شمل وتوحيد كلمة العائلة المسيحية الواحدة بدون تمييز الطوائف والكنائس ولم يكن يفكر أحد أن تكون ذراع لطائفة أو كنيسة.
إن الكنيسة الأرثوذكسية هي الكنيسة المقدسية التاريخية وهي التي لها أتباع كثيرون في بلادنا ولكن الأمر هنا ليس سباق او منافسة رياضية بل خيار حر للمواطن حول عقيدته.
كنت أتمنى لو قام المطران ببادرة وحدوية واتصل براعي الكنيسة أو سأل عن حال المصليين المصابين أو قام بعمل ولو رمزي للتخفيف عما جرى لهم وهو نفس الأمر الذي كنت أتوقعه لو كانت الامور بالعكس. إن الوباء الذي نحن بصدده لا يعرف بالأديان والطوائف. قد يكون الوباء أصاب كنيسة معينة هذا الأسبوع وقد يصيب كنيسة أخرى الأسبوع القادم وقد يصيب من هم مؤمنون وقد يصيب من هم لا دينيون.
قد يشعر المطران أن لديه أمور معينة يرغب بالتعبير عنها حول الأمور الكنسية والطائفية وشرعية هذا الأمر أو تلك الكنيسة وغير ذلك ولكن الأمر لا يتم حلّه بالشماتة والاصطياد في الماء العكر واستغلال ظرف صعب للتهجم وزرع بذور الفتنة بل بالحوار الجاد والصريح على أساس المادة السادسة من الدستور الأردني التي تضمن للجميع حرية عبادة وترفض التمييز على أساس ديني.
أما إذا كان سيادة المطران يرغب بالحديث الخاص والمتحيز الخارج عن دور رئيس الكنيسة فمن المفترض أن يتم ذلك وهو في موقع غير موقع رئيس مجلس الكنائس كما ويجب أن يتم ذلك عبر منصة غير تلك التي توفرها الحكومة الأردنية له بسبب منصبه الوحدوي بهدف رفع الوعي فيما يتعلق بكيفية الحماية من انتشار وباء الكورونا.
لقد افتتحت بطركية الروم في الأردن مؤخراً إذاعة أرثوذكسية خاصة عبر الإنترنت وقد تكون تلك المنصة موقع مناسب لإجراء النقاش والتوجيهات للرعية بدون أن يشعر أحد أن الكلام ذات رائحة فتنة بين المسيحيين في هذا الوطن. إن المطلوب من رئيس مجلس الكنائس اتباع التقليد البرلماني والنزول المؤقت من منصة الرئاسة للقيام بتقديم رأي متحيز.
أما إذا ما رغب سيادته في البقاء في موقعه فان عليه ان يتبع قدوة البطريرك ثيودورس الثالث بطريرك القدس والذي حظي بتكريم خاص من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدورة في دعم وحدة الكنيسة المسيحية. في بداية هذا العام زار الأردن رؤساء كنائس أرثوذكسية من كافة أنحاء العالم وقد رحب المشاركون بدعوة أخيهم البطريرك ثيوفيلوس الثالث إلى عقد لقاء للصلاة من أجل العالم، ومن أجل وقف الحروب والأمراض والمعاناة، ومن أجل كافة المسيحيين ووحدة الكنيسة.
إننا بأمس الحاجة الى الوحدة والدعاء لوقف الحروب والوباء لا لزيادة الفتنة والفراق بين الاخوة. امل ان يختار سيادة المطران خريستوفوروس عطالله الوحدة والمحبة بدل من الانحياز والتحريض.