مقالات

أحلام ناصر تكتب:عندما يصبح شرف الرجال في أجساد النساء، على مجلس النواب أن يتقدم ورجال الدين أن تترجل

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم أحلام ناصر .. لقد تلقيت بصدمة شديدة خبر مقتل إحدى السيدات في العاصمه الأردنيه عمان. عاصمة النخوه والنشامى . بلد الأمن والأمان. مدينتي، مدينة اعتبرها من أجمل المدن على سطح الارض، هكذا أراها وإن اختلفت معي، مدينة عشت فيها أجمل ايام عمري وحققت أهم الإنجازات في حياتي. عاصمة إحتلت المرتبة الأولى كعاصمة ثقافية في العالم العربي ، وتحتضن أفضل مخزون من الموارد البشرية المؤهلة. والتي بلا مبالغة، قادت التطوير في بعض دول المنطقة العربية ودول الخليج العربي ولها لمسة على مستوى العالم.

فعندما عانيت من مرض عضال، راسلت جهات طبية في الولايات المتحدة فنصحت بطبيب في مستشفى فلادلفيا، لتكن المفاجأة بأنه طبيب أمريكي ومن أصول فلسطينيةويحمل الجنسية الأردنية ويرأس قسم الرئة في المستشفى الجامعي وغيرها من التجارب المختلفة لي ولغيري. مدينتي التي أعتز بها وبإنجازاتها وأفتخر دائماً بثروتها الرئيسية وهي ثقافتها الراقية ومخزونها من الكوادر البشرية في شتى المجالات.

ما زالت الجرائم ترتكب تحت مظلة  ما يدعى “جرائم الشرف” او “جرائم  العار” منتشرة في عالمنا الإسلامي والعربي. كل عام لمجرد الشك وليس اليقين، يتم اتخاذ قرار إنهاء حياة آلاف النساء من قبل الهيمنة الذكورية ، لا بل انتقلت هذه الثقافة الى بلاد اللجوء في العالم الغربي مع موجة الهجرة التي إجتاحت المنطقة العربية خلال السنوات العشرة الماضية كما هو الحال في ألمانيا. فبالرغم من الجهود المبذولة على المستوى المحلي والدولي من قبل منظمات حقوقية تعنى بالدفاع عن حق الانسان في الحياة وضرورة الخضوع لمحاكمات عادلة والعمل على إنهاء عقوبة الإعدام إلا أنه ما زالت هذه الجرائم ترتكب ليس فقط بحماية ومباركة مجتمعية بل بقصور في الإطار القانوني لهذه الدول. وبالاضافة الى ذلك، فإن هذه الجرائم تستخدم في بعض الأحيان لتصفية خلافات داخل العلائلات والأسر لتحقيق مآرب الاستيلاء على الإرث والتخلص من الخلافات الزوجية.

إن المعالجة القانونية لمثل هذه الجرائم يتم بموجب المادة 340 من قانون العقوبات وتعديلاتها،بحيث يعطى الحق للهيمنة الذكورية بالقتل بذريعة الغضب الشديد. على الرغم من ان المادة تعطي الحق نفسه للمراة في القتل بدواعي الشرف عند الغضب لموقف مشابه من قبل زوجها، إلا أن المشرع على يقين أن مثل هذا الحق لا يوجد له ممارسة في الواقع. وأتساءل هنا ماذا نعني بالغضب الشديد وما هي حدوده وأطره القانونية! وكيف يترك ذلك لتقدير إنسان كباقي البشر “مع احترامي لقدرات القضاء واستقلاليته” قد يخطيء ويصيب في تقديره لمستوى الغضب حيث أن التقدير يخضع للحكم الشخصي وثقافته الخاصة، وبناء عليه يصدر حكمه المخفف على الجاني. ناهيك عن الضغوطات العشائرية والأسرية في إصدار مثل هذا الحكم المخفف. فبالتالي، أعتقد أن غياب أدوات تطبيق هذه المادة هي معضلة بحد ذاتها إذا سلمنا بضرورة وجودها أصلاً.

تترسخ الثقافة الذكورية منذ القدم في المجتمعات العربية وبعض المجتمعات الغربية والآسيوية، وما زال الشرق الأوسط  يقع ضمن المستويات العالية على مؤشرات قياس المجتمعات الذكورية. إن ترسّخ الثقافة الذكورية في العالم العربي يعطي المبرر لجرائم الشرف والتساهل مع مرتكبيها متذرعين بالعادات والتقاليد أو بالدين. والغريب أنه يتم تبريرها من قبل المجتمع وتأطيرها في النصوص القانونية من جهة أخرى، وذلك ما يفسر إستمرار حدوثها الى الآن، بالرغم مما نعيشه من تقدم وتغيير فكري وحضاري.

إن ما يسمى بجرائم الشرف هي عادة جاهلية، وجريمة بشعة، والإسلام بريء منها تماماً. فعلى العكس من ذلك، فقد جاء الإسلام وأنصف المرأة وحرّم قتلها “حيث كانت توأد قبل الإسلام”. فالإسلام دين الإنسانية والعدل والحق. ليس الإسلام وحده من أقر بحرمة الزنا بل جميع الأديان، ولا خلاف في ذلك. إلا أن قتل النفس التي حرمها الله إلا بالحق هي من أعظم الجرائم وفقاً للنصوص القرآنية الواردة في هذا المجال. بل إن عقوبة القتل وفقاً للإسلام هي جريمة تفوق عقوبة الزنا، يقول الله تعالى في سورة النساء (93) ” وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا”. وعليه لا مبرر ديني لقتل نفس بدون حق. والحق في قتل النفس تم تحديده بموجب النصوص القرآنية وضبطته الشريعة الإسلامية. وقد جُعل الحق في تطبيق الحكم للدولة أو الجهة صاحبة الولاية على الامة وليس في يد الأسرة أو الهيمنة الذكورية حتى في حالة ثبات الجريمة، وذلك حفاظاً على الأرواح وتحقيقاً للعدل ومقاصد الشريعة الإسلامية. فجريمة الزنا هي جريمة ثنائية التنفيذ تتم ما بين (الرجل والمرأة)، فليس من العدل قتل طرف والتسامح مع الطرف الآخر، نتذكر هنا المرأة الغامدية وتعامل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام معها.  فالزنا لا يثبت وفقاً للشرع إلا بأحد أمرين: إما بشهادة أربعة يشهدون شهادة مفصلة دقيقة يصعب غاية الصعوبة إثباتها، أو بالإقرار والاعتراف، ومن الذي يعترف؟. انه ينبغي علينا كمسلمين إتباع الشريعه الإسلامية وليس العادات والتقاليد التي توارثناها من الجاهلية والتي جاء الإسلام لمحاربتها. فلو كانت عقوبة قتل المرأة  فيها حكمة وصلاح للمجتمع، لكانت كلمة الله قد سبقت وأقر قتل المرأة في الشريعة الإسلامية صراحة كما نصّت على عقوبة القتل للجرائم الأخرى. وإنما تم إقرار عقوبة الزنا صراحة في القرآن الكريم.

إنني لا أفهم كيف يتم إختزال شرف القبيلة أو الأسرة في شرف المرأة، والذي يعده المجتمع جريمة عار يجب التخلص منه. فأي تصرف من المرأة خارج عن العادات والتقاليد يعتبر مساس بسمعة العائلة وتستحق عليه القتل على يد أحد أفراد الأسرة. ولا يقتصر ذلك على ثبوث حالة الزنا، بل تتعداه الى قيود قد تستمر مع المرأة طول حياتها ومنها منعها من أنواع محددة من اللباس، أو سفرها لوحدها، أو العمل في مناطق تبعد عن المنزل خوفاً من ثقافة المجتمع المبنية على عادات وتقاليد الجاهلية.  بينما عند قيام الرجل بعمل مُخّل بسمعة الأسرة، تسارع العشيرة الى حمايته والدفاع عنه أمام السلطات وأمام اهل الضحية ، لا بل في بعض المناطق، فإن تصرفات  الرجل المخالفة للعادات والتقاليد لا يعتبر فيها إساءة للعائلة بل قد تعد فخراً.  فشرف الأسرة والرجل في أجساد وتصرفات النساء في محيطه، وليس في أخلاقه وسلوكياته.

إن هذا المسلك الإجرامي ناتج عن تجذر ثقافة الجاهلية ليس في المجتمع المدني فقط، بل في كافة مؤسسات الدولة ومنها الأمن والقضاء. والتي بدورها ترى الشرف في أجساد النساء. إن المرأة ضحية لمجتمع  يعتبر شرفه في جسدها. إن هذا العرف الإجتماعي يتم تدعيمه من قبل رجال الدين الذين يفترض بهم أن يترجلوا ويدافعوا عن حق المرأة في الحياة كما يدافعون عن حق الرجل في تعدد الزوجات. بل يقومون بممارسة الضغوط على المرأة من أجل طاعة الرجل وتحمل نزواته حفاظاً على الأسرة ومستقبل الأطفال. والأولى هو تطبيق الشريعة الإسلامية وإرضاء الله عز وجل لتحقيق حياة عادلة لجميع الأطراف. ولا بد هنا من التركيز على ضرورة سيادة دولة القانون والعدل التي تتمثل بتشريع أقسى عقوبة على مرتكبي هذه الجرائم وإلغاء جرائم الشرف من القوانين الأردنية تماماً.

إن مثل هذه الجرائم لا تنم عن رقي ونضوج ثقافي وفكري بل هي وصمة عار على المجتمعات. هذه مسؤولية رجال الدين أمام الله ومن تقع على عاتقه مهمة التشريع في الدولة وهو مجلس النواب. ولذلك يجب العمل سوية وعلى وجه السرعة ومستوى المسؤولية لإنهاء ثقافة جرائم الشرف على المستويين التشريعي والتطبيقي حفاظاً على أرواح النساء في مجتمعنا الأردني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى