مقالات

كاتيا عباسي تكتب :نرجسيون ولكن…

اخبار الاردن-نبراس نيوز-بقلم كاتيا عباسي :مجتمعنا كأي مجتمعات أخرى يورث مجموعة من العقد من جيل إلى جيل وتصبح هذه العقد جزءا لا يتجزأ من ثقافة المجتمع، وأنا شخصيا أكثر عقدة أثرت في لمدى طويل عقدة خريج أمريكا وكندا وبريطانيا وخلافه.

 

على مدى سنوات طويلة شغلني هذا الموضوع لأنه كلما لفت نظري شخص في موقع عمل مميز، استفسر كيف فلان حصل على هذه الوظيفة؟ فيكون الرد واسطة أو خريج جامعة من إحدى دول العالم الأول أو الاثنين جمعا. وبما أنني لا أحقق أياً من الشرطين، ظل هذا الموضوع يقلقني وذلك لأن الإنسان وبوجهة نظري المتواضعة عليه أن يدرس إمكانياته ويفهم قدراته ويحدد أهدافه ويسعى للوصول إلى أحلامه. فقررت على الأقل أن أتحكم في الجزء الذي يخصني من المعادلة وهو الالتحاق بجامعة معترف بها وبدولةٍ لها ميزة تنافسية في مجال التعليم الجامعي وبعد استكمال شروط التسجيل تم القبول وبدأ المشوار الجديد.

 

قضيت عمرا اعتقد فيه أن التعليم في الخارج له نكهة مختلفة، شعرت أنني سأغوص في بحر العلم وأحلق في آفاق المعرفة. صدمة حقيقة عندما تكتشف أن الجامعات تخلتف عن بعضعها بإمكانياتها وقدرتها على تمويل الابحاث واستقطاب المبدعين فقط وأما الصفة البشرية للانسان هي واحدة. يعني آخر توقعاتي إنني سأصادف المدرس النرجسي الذي يعتقد أنه فوق الجميع، بنفس تركيبة وخصائص المنتج المحلي. كنت اعتقد وعلى مدار سنوات طويلة أنها خلطة أردنية بامتياز، ولا أعلم إن علي أن أفرح أو أن أحزن بسبب هذا الاكتشاف المتأخر.

 

حيرتني هذه الشخصية في الوطن، فعندما دخل الدكتور الى المحاضرة وكتب على اللوح بكل فخرٍ واعتزاز “لم ينجح أحد” بنشوة انتصار الفاتح بفتح القسطنطينية أو كأنه ابن زياد يخطب بالجند على الشواطىء الاندلسية. لم أفهم يومها ماذا حدث؟ لم أتمكن يومها من تحليل تفاصيل وجهه أو نبرة صوته؟ كان ينظر لنا كأننا فئران تجارب فاشلة وليس لها أي قيمة ولن يكون لها أي أهمية لا في مستقبل قريب ولا بعيد. اعتقدت يومها بأنه صناعة محلية ومن مخرجات المجتمع التي تتسم بقمع الفكر الحر وتحطيم الامل في نفوس الشباب.لكن أن تتكرر التجربة مرة أخرى وبنكهة كندية بامتياز كانت تجربة صادمة ومؤلمة وغير متوقعة على الاطلاق.

 

ولم يكن هذا الموقف الوحيد الذي كان صادما، فالكثير من المواقف في العمل وفي الشارع وفي التعاملات مع الناس تجد تلك النرجسية متأصلة في كل علاقة غير متكافأة. تجدها بعلاقتك مع رئيسك في العمل، مع موظف الحكومة الي تراجعه بمعامله، تجدها أمامك في كل موقف تتعامل فيه مع شخص أعلى منك مرتبة و تكون العلاقة مبنية فقط على مبدأ نفذ ثم ناقش، بل أحيانا نفذ وحتى لا تفكر أن تنافش! وفي مناسبة أخرى تكون أنت ذاك النرجسي عندما تتعامل مع من هو أدنى منك في الهرم المجتمعي.

 

وبما أن هذه الظاهرة على مايبدو عالمية، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما المكون السحري الذي يجعل دولة في الصفوف الاولى وأخرى مصنفة كعالم ثالث أو رابع. وإن أقرب تحليل مقنع بالنسبة لي هو ما كتبه توماس فيردمان” أن النظام في أمريكا مؤسس على يد عباقرة ليتمكن الاغبياء من تشغيله دون الحاجة الى التفكير” وعليه حتى لو كانت هناك شخصية نرجسية دكتاتورية عايشة الدور مثل ما يقول إخواننا في مصر، إلا أن النظام لايسمح للاشخاص بالتمادي وهناك حد الجميع يقف عنده دون استثناء ولذلك لا يستطيع أياً من كان أن يتجاوز الخطوط الحمراء أي أنها دولة مؤسسات تعتمد على قوانين وانظمة وإجراءات ولا تتأثر بتغير الافراد. وبالتأكيد هذه الدول ليست بمدينة فاضلة بل تحتوي على كل ما يحتويه أي وطن من ايجابيات وسلبيات إلا أن أهمها أن القافلة تسير نحو الامام بثبات نحو بناء مجتمعات تضمن للافراد أبسط حقوقهم في عيشٍ كريم.

 

الانسان بطبيعته وفطرته وتركيبه الجنيني واحد في كل أنحاء العالم لا يوجد فروق تذكر. ستجد أينما تذهب نفس التشكلية من البشر في كل مجتمع. ستجد تلك الشخصية النرجسية التي تتوهم أنها فوق الجميع وأنها تستطيع أن تفعل ما تشاء وتحلل ما تريد وتحرم ما تريد في سبيل حصولها على مصالحها. وستجد أيضا هؤلاء المستعدون عن التخلي عن مبادئهم وقيمهم من أجل طموحاتهم الشخصية وأيضا ستجد حتى في دول العالم الاول المستعد أن يفعل أي شىء أجل الحصول على المنصب أو البقاء فيه. فإن كان الدكتور الجامعي يعيش اللحظة ويتربع عرش السلطة ويمارس الدكاتورية على مجموعة طلاب ضعيفة، فما يمكن للانسان أن يفعل إن حصل على سلطة مطلقة ولم يحاسبه أحد.

 

هم نرجسيون ولكن “حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق” (الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى