مقالات

كتب م.فواز الحموري: ذاكرة البربارة

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بقلم م.فواز الحموري.. ارتبطت ذاكرة «البربارة» بموسم الشتاء وذلك الطبق وحتى «الطنجرة الساخنة» من جيران الرضا مفعمة بالمحبة والمودة منذ أن وعينا على ذلك في جبل اللويبدة وفي مكان فيه جار مسيحي يتذكرنا بـ”البربارة» ويقدمها بطيب نفس وسخاء وكرم وصفاء.

تتوفر عند العطار خلطة «البربارة» ولكنها هدية من جيران الرضا أطيب وألذ؛ وتعني الكثير من الوئام والانسجام وتبادل الأمنيات الطيبة والصادقة بحياة دافئة بالمشاعر والمعاني الخاصة والحفاوة والاحترام.

ما زال طعم «بربارة» أم عيسى وأم حنا وأم طوني وأم وليم، حاضرة في بيتنا وفي حكايتنا والأجيال التي كبرت معا وامتد بها المشوار لتحكي عن تلك «البربارة» وطعمها المميز في أجواء المطر والحاجة للتمتع بمذاقها الشهي.

نتذكر في هذه الأحيان كنائس فلسطين وغزة وطعم الصبر والمعاناة ومذاق الظلم جراء الاحتلال والعدوان وغياب الاحتفال وعيد الميلاد قريب وقد ألغى مجلس الكنائس في الاردن مظاهر الاحتفال الخارجية وأكد على احترام مشاعر الجميع والاقتصار على الواجب الديني داخل الكنيسة.

كان أطفال غزة وفلسطين ينتظرون «بربارة» جيران الرضا من الأخوة المسيحيين لتذوق ذلك الطبق المزين بالوان المحبة والقمح والزبيب وكافة «حوائجها» المتقنة الطهي والمقدمة بنفس طيبة إلى بيوت أفرادها يحفظون الجميل ويتبادلونه مرة «بحلاوة السميد» وكعك العيد وأطباق من مائدة الخير والطمأنينة، ولكن ذلك لم يحدث.

فرحت وسعدت جدا بتذكر جارتنا أم فراس بطبقها من «البربارة» لي خصيصاً وللأهل؛ تعلم أنني أحب «البربارة» لما لها من ذكريات وحنين في اللويبدة وما لها من معاني خاصة في النفس لعبير الهدية والتكريم.

حرم الاحتلال الإسرائيلي فرحة الجميع من التلذذ بمذاق الحياة، ولكن طعم النصر أغلى وأشهى وأبقى، وعلى الرغم من الجراح، لكن الدعاء يتجدد بالرحمة والتحرر والشعور بعظمة التضحية والمقاومة والجهاد.

حين كانت «أم عيسى» تخصني بطبق كبير من «البربارة» التي تعدها بعناية واهتمام وشغف ومحبة، كان ذلك مدعاة فخر واعتزاز بما تصنعه سيدة متواضعة، تتكلف لتحضير مكونات وحواجة «البربارة» بكرم لا مثيل له، فعلا ما تزال طعمها في فمي تلهج لها بالرحمة وسائر من يتذكرنا في كل موسم ويخصص من وقته كما لأسرته وقتا لنتشارك فيه نقياً وطيباً طوال الأعوام وسنوات العمر الممتدة من حسن الجيرة وحتى الانتقال إلى مساكن بعيدة وربما قريبة من الوفاء والتذكر والحنين.

نشارف على عيد ميلاد السيد المسيح وأجواء كنيسة المهد وبيت لحم وفي جميع الأرجاء حزينة وقلقة، وتعاني من غياب معنى الفرح الحقيقي على الشعب الفلسطيني والذي يحرم من إقامة شعائر الاحتفال كاملة وغير منقوصة في عيد الميلاد المجيد وسائر المناسبات، وتبقى الحسرة ماثلة أمام الجميع حول العالم من هكذا حال.

عندما غابت أم حنا وسافرت بعيدا وكذلك أم عيسى، خسرنا من يتقن التجوال وتفقد الجار وطرق باب البيت، وعندما قصف العدوان الكنائس والمساجد ومراكز الإيواء، فقدنا الشعور بالراحة ومعنى السعادة وأصاب القلب الوجع وتكاثرت صور الموت والقهر والألم، ولكن الله قادر على إعادة الحق وإقامة العدل ورسم البسمة والفرح ولو بعد حين.

لذاكرة «البربارة» أكتب عن موسم يلتصق بالوجدان، لا تستطيع أي من الظلمات أن تغتاله وتصرفه عمن يعرف العطاء ويقدر الإيثار ويحترم العهد ويرعى الوعد ويكثر من البذل بسخاء منقطع النظير.

عاشت الذكرى في النفوس، ساخنة وطازجة وشهية مثلما هي الحياة الكريمة والجيرة الطيبة الصافية، وبقيت النفوس متحابة، نقية، تطرق باب البيت وتقول: «اشتهيت هذه لكم»، عمرت بيوتنا بالرجاء والأمل والمحبة والسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى