اخبار المجتمع

إلزام الخدمات الطبية بدفع 45 ألف دينار نتيجة أخطاء طبية ارتكبها ثلاثة من أطبائها

أخبار الأردن-نبراس نيوز- بعد أن أسقطت المحاكم العسكرية الشق الجزائي لشموله بالعفو العام، حكمت محكمة بداية حقوق اربد بإلزام المدعى عليهم كل ‏من (مستشفى الأمير راشد بن الحسن العسكري والخدمات الطبية الملكية والمدعى عليهم الأطباء (إ.هـ) و (ر.ر) و (أ.ز) بالتكافل ‏والتضامن بأن يدفعوا للمدعية (هـ.د) و للمدعي زوجها مبلغ (خمسة وأربعين ألف وخمسمائة دينار).‏

وقد جاء حكم المحكمة هذا بعدما ثبت لها ما يلي:‏

أولاً: إن المدعية (هـ.د) كانت تعاني من العقم الاولي ولمدة عشر سنوات وقد حملت فيما بعد بواسطة (أطفال الأنابيب) وتحت ‏اشراف الدكتور (ح.م) والذي كان يشرف عليها طيلة فترة الحمل، وانه سبق للدكتور (ح.م) ان نصحها عند الولادة بضرورة ‏اجراء عملية قيصرية لها.‏

ثانياً: راجعت المدعية (هـ.د) قسم النسائية والتوليد في مستشفى الامير راشد العسكري حيث كانت تعاني من ألم في البطن وكانت ‏حامل في الاسبوع الاخير من الحمل وتحديداً لدى المدعى عليه (إ.هـ) وهو الطبيب الاقدم في القسم حيث تم ادخالها الى قسم ‏النسائية والتوليد بحدود الساعة الثانية فجراً، وبحدود الساعة الثامنة صباحاً بذات التاريخ تم مناقشة حالة المدعية وتقرر اجراء ‏عملية ولادة طبيعية للمدعية حيث كانت سيرة الولادة جيدة وتوسع عنق الرحم 5 سم بعد وقت قصير من اعطاء المدعية طلق ‏اصطناعي حيث اصبح بعد ساعة توسع عنق الرحم توسعاً كاملاً والرأس نازل في الحوض، وتم نقل المدعية الى غرفة الولادة ‏وقام المدعى عليه (ر.ر) بوضع الشفاط للمدعية لمساعدتها على الولادة الطبيعية بالسرعة الممكنة تجنباً لاختناق الجنين وموته، ‏وقد ولدت المدعية طفلاً حياً وبعلامات حيوية جيدة.‏

ثالثاً: بعد الولادة وولادة الخلاصة، حصل للمدعية نزيف، وقد تم الاستعانة بالطبيب الاقدم الذي شخص النزيف بأنه شق مهبلي ‏وحاول اصلاحه دون جدوى، واستمر النزيف واعطيت المدعية خمس وحدات دم، وبعدها قام المدعى عليه (إ.هـ) باعتباره ‏رئيساً لقسم النسائية والتوليد بالتنسيق لتحويل المدعية الى مدينة الحسين الطبية وذلك لعدم وجود طبيب اختصاص اوردة ‏وشرايين في مستشفى ايدون العسكري، وبالفعل فقد حولت المدعية الى مدينة الحسين الطبية ووصلت في ذات اليوم بحدود ‏الساعة الثانية والنصف ظهراً، وقد أجريت للمدعية عملية محاولة خياطة التمزق المهبلي التي لم تنجح أيضا بإيقاف النزيف ‏الأمر الذي استدعى فتح البطن لإزالة الرحم، وقد تم بالفعل استئصال الرحم في محاولة للوصول الى منطقة النزيف الخلف ‏بريتوي، وبعد استئصال الرحم وخياطة الشق الممتد في المهبل في الاسفل الى خلف الغشاء البريتوي في الاعلى تم تفقد الخياطة ‏من المهبل للتأكد من توقف النزيف، حيث تبين ان النزيف قد توقف، الا انه تم اعادة فتح بطن المدعية مرة اخرى في وقت لاحق ‏لوجود دلائل نزيف داخلي، وبحضور طبيب جراحة الاوعية الدموية حيث وجد أن بطن المدعية ممتلئ بالدم القادم من المهبل ‏اسفل، حيث قام جراح الاوعية الدموية الدكتور (ف.ح) بربط الاوعية الدموية المؤدي الى منطقة النزيف الى ان تم التعامل معه ‏بغرز منفصلة في المهبل ووضع الشاش.‏

رابعاً: قام المدعيان بإقامة هذه الدعوى ضد الجهات المدعى عليها على اساس انه جراء الاهمال الطبي والتقصير وعدم الاحتراز ‏والذي تمثل بقيام الجهات المدعى عليها بإجراء عملية ولادة طبيعية لها رغم اخبارهم من المدعية واهلها بأن المدعية بحاجة الى ‏عملية قيصرية نظراً لأنها حامل بأطفال انابيب وما تبع ذلك من مضاعفات من استئصال رحم المدعية، وقد ألحق ذلك بالمدعيين ‏اضراراً مادية ومعنوية الأمر الذي دفعهم لإقامة هذه الدعوى ضد الجهات المدعى عليها لمطالبتهم ببدل تلك الاضرار.‏

وقد عللت المحكمة قرارها وسببته على النحو التالي:‏
بحسب أحكام القانون وما استقر عليه رأي الفقه وأحكام القضاء تجد المحكمة أن اركان المسؤولية الطبية هي ذاتها الاركان ‏المتعلقة بالمسؤولية التقصيرية، والتي تتمثل بما يلي:‏

أولاً: الفعل (والذي يأخذ صورة الخطأ الطبي) في المسؤولية الطبية، وهناك صور متعددة للخطأ الطبي مثل الخطأ في تشخيص ‏المريض والخطأ في التخدير والخطأ في العمل الجراحي والعناية الطبية والخطأ في جراحة التجميل وغيرها وما يهمنا في هذه ‏الدعوى هو الفعل الذي ارتكبه المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ) التابعين للمدعى عليها الخدمات الطبية الملكية ومستشفى الامير ‏راشد العسكري) والذي تمثل بقيامهم بإجراء عملية ولادة طبيعية لزوجة بحيث انه لو تمت عملية قيصرية لها وفق توصية ‏رئيس دائرة النسائية والتوليد الذي كان يشرف على حالة المدعية اثناء حملها بأطفال الانابيب وما كانت تعاني منه المدعية من ‏عقم لمدة عشر سنوات، وكذلك اجراء عملية استئصال الرحم للمدعية وكذلك عملية ربط الشرايين بعد اجراء عملية استئصال ‏الرحم وعدم تقيد الاطباء المدعى عليهم بالقواعد والمعايير والاجراءات الخاصة بممارسة مهنتهم كأطباء نسائية وتوليد وتبعاً ‏لدرجتهم وتخصصهم، حيث ان الاطباء لم يبذلوا عناية الشخص العادي وبمن هم في ظروفهم وهذا ثابت للمحكمة من خلال ما ‏يلي:‏

أ. كتاب رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة ومرفقه تقرير اللجنة الفرعية المتخصصة المشكلة لإبداء الرأي بموضوع ‏الاعتراض على تقرير اللجنة الفرعية المتخصصة حيث ورد في تقرير اللجنة المذكورة ما يلي: إن اجراء الولادة كان ضمن ‏الاصول الطبية ولا يوجد أي خطأ طبي او إهمال من الكادر الطبي، وان اجراء عملية استئصال الرحم هو اجراء طبي غير ‏صحيح وكان قرار مستعجل، وان اجراء العملية الاخيرة ربط الشرايين هو اجراء طبي صحيح وكان يجب ان يتم قبل اجراء ‏عملية استئصال الرحم وعدم احتراز قبل أخذ القرار في عملية استئصال الرحم، وحيث ان الكتاب الصادر عن رئيس اللجنة الفنية ‏العليا هو سند رسمي صادر عن جهة رسمية لا يطعن به الا بالتزوير وفقاً لأحكام المادة 7 من قانون البينات الاردني ووفق ما ‏استقر عليه قضاء محكمة التمييز ((لطفاً: تمييز حقوق هـ.ع رقم 503/2020 ، حيث جاء بقرار محكمة التمييز المذكور ما يلي: ‏‏”…ان تقرير اللجنة المشكلة من قبل وزير الصحة هو مستند رسمي لا يطعن فيه الا بالتزوير حسب أحكام المادة السابعة من ‏قانون البينات… ويعمل به ما لم يثبت تزويره… “.‏

ب. شهادة الشاهدة (خ.ج) امام قاضي الصلح في جلسة 4/10/2017 والتي جاء فيها ما يلي :”…..وترتب على العملية بسبب ‏خطأ في العملية تفجير الرحم و تم اغلاق المهبل ….”‏

ج. شهادة الشاهد (زوج المدعية) امام قاضي الصلح في جلسة 4/10/2017 والتي جاء فيها ما يلي :”…..وحسب ما اخبرتني ‏زوجتي انهم قاموا باخبارها في المستشفى انها تحتاج الى عملية حسب تعليمات المدينة الطبية ….. نتيجة العملية شالوا الرحم ‏واغلقوا المهبل ….”‏

د. تقرير اللجنة الطبية والذي ورد فيه ما يلي : ” ان المدعية كانت تعاني من ندبة اوسط البطن بطول 11سم اثر تداخل جراحي ‏تم استئصال كامل الرحم وقصر المهبل وقدرت اللجنة الطبية اللوائية نسبة عجز المدعية بـ 50% من مجموع قواها الجسدية ‏العامة.‏

هـ. القرار الصادر عن المحكمة العسكرية الثانية في القضية الجزائية العسكرية المتضمن اسقاط دعوى الحق العام عن المدعى ‏عليهم (إ) و (ر) و (أ) فيما يتعلق بالجرائم المسندة اليهم وهي التسبب باستئصال عضو خلافاً للمادة 335 من قانون العقوبات ‏وجرم التهاون بالقيام بواجبات الوظيفة خلافاً لأحكام المادة 22/ب من قانون العقوبات العسكري، وجرم مخالفة الاوامر العسكرية ‏خلافاً لأحكام المادة 13/أ من قانون العقوبات العسكري لشمول تلك الجرائم بقانون العفو العام رقم 10 لسنة 2011.‏

و. قرار الظن الصادر عن المدعي العام العسكري بمواجهة المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ).‏
ز. صورة عن التقرير الطبي الصادر عن استشاري الطب الشرعي في اقليم الشمال الدكتور (ع.م).‏
ح. كامل الملف الطبي للمدعية الصادر عن الخدمات الطبية الملكية.‏
ط. التقرير الطبي القضائي القطعي.‏
فيكون الركن الاول من اركان المسؤولية التقصيرية وهو ركن الفعل غير المشروع والذي يأخذ صفة الخطأ الطبي في إطار ‏المسؤولية المدنية الطبية قد تحقق.‏

ثانياً: الضرر، الذي يعني الاذى الذي يلحق بالشخص في ماله او جسده او عرضه او عاطفته، وعموم الضرر يمكن التعويض ‏عنه سنداً للمادة 265 من القانون المدني ، وبتدقيق بينات الدعوى نجد ان هناك اضراراً مادية ومعنوية لحقت بالمدعيين نتيجة ‏الوضع الذي تمثل باستئصال رحم المدعية واجراء اكثر من عملية لها ووجود ندبة اوسط البطن بطول 11سم وقصر في المهبل ‏‏4سم والم اثناء الفحص وصعوبة عند الجماع ، فيكون هذا الركن قد تحقق ايضاً.‏

ثالثاً: علاقة السببية، وحيث أنه لا يكفي لقيام المسؤولية المدنية عن الخطأ الطبي ان يكون هناك خطأ طبي وضرر اصاب الغير ‏بل لا بد ان يكون هذا الخطأ الطبي هو السبب في وقوع هذا الضرر وهذا يستفاد من كلمة “فاعله” الواردة في المادة 256 من ‏القانون المدني ومن عبارة “نتيجة طبيعية للفعل الضار” الواردة في المادة 266 من ذات القانون، وبالرجوع الى بينات الدعوى ‏من خطية وشخصية وخبرة فنية نجد ان النتيجة التي آل اليها وضع المدعية والذي كان نتيجة الاهمال والتقصير وقلة الاحتراز ‏وعدم قيام المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ) بواجبهم الطبي وفق ما تمليه عليهم القواعد المهنية الطبية، وهي مجموعة القواعد ‏والاعراف والتشريعات التي تفرضها عليهم طبيعة عملهم كأطباء مختصين في مجال النسائية والتوليد وضمن بيئة العمل المتاحة ‏للمدعى عليهم، والمحكمة تجد أن المدعى عليهم ووفق ما جاء بكتاب رئيس اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة ومرفقه تقرير ‏اللجنة الفرعية المتخصصة المشكلة لإبداء الرأي بموضوع الاعتراض على تقرير اللجنة الفرعية المتخصصة لم يقوموا بواجبهم ‏الملقى على عاتقهم وان اجراءاتهم الطبية فيما يتعلق باستئصال الرحم هو اجراء طبي مستعجل وغير صحيح كما ان اجراء ربط ‏الشرايين بعد اجراء عملية استئصال الرحم هو اجراء طبي غير صحيح، وان هناك عدم احتراز قبل أخذ القرار في عملية ‏استئصال الرحم، وتكون رابطة السببية ما بين الفعل والضرر وهي الركن الثالث من اركان المسؤولية التقصيرية قد تحققت.‏

وطالما أن المحكمة قد توصلت الى أن المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ) مسؤولين مدنياً عن الاضرار التي لحقت بالمدعيين، وطالما ‏ان من الثابت للمحكمة ان المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ) كانوا يعملون في الخدمات الطبية الملكية التابعة للقوات المسلحة ‏الاردنية، وحيث استقر الرأي الفقهي وأحكام القضاء على ان أركان مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه باعتبارها احد صور ‏وتطبيقات الفعل غير المشروع هي ما يلي:‏

أ. وجود علاقة التبعية، وقد ثبت للمحكمة ان المدعى عليهم يعملون لدى الخدمات الطبية الملكية الاردنية التابعة للقوات المسلحة ‏الاردنية حيث ان المدعى عليه (إ) كان يعمل عقيد طبيب، والمدعى عليه (ر) كان يعمل طبيب برتبة ملازم، والمدعى عليه (أ) ‏كان يعمل طبيب برتبة مقدم، فيكون الركن الاول من اركان وشروط مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه قد تحقق.‏

ب. أن يصدر فعل من التابع، وحيث ان من الثابت للمحكمة ان أفعال المدعى عليهم والتي أشير اليها آنفاً قد وقعت منهم بالفعل، ‏فيكون الركن الثاني قد تحقق ايضاً.‏

ج. صدور الفعل الضار (الخطأ الطبي) عن التابع اثناء الوظيفة او بسببها، وحيث ان من الثابت للمحكمة ان الخطأ الطبي الذي ‏صدر عن المدعى عليهم كان اثناء تأديتهم لوظيفتهم.‏

د. عدم القيام بواجب العناية، وقد ثبت للمحكمة ووفق ما تم بيانه أن المدعى عليهم لم يقوموا بما يمليه عليهم البروتوكول الطبي ‏ولم يقوموا ببذل العناية اللازمة لعدم استئصال الرحم، وبالتالي فإن مناط مسؤولية المدعى عليهما مستشفى الامير راشد العسكري ‏والخدمات الطبية الملكية الاردنية كمتبوعين ووفقاً لأحكام المادة 288 من القانون المدني ووفق الاركان السالف ذكرها منوط ‏بثبوت مسؤولية المدعى عليهم (إ)
و (ر) و (أ)، وحيث ثبتت مسؤولية المدعى عليهم المذكورين المدنية فيكون المدعى عليهما ‏عليه مستشفى الامير راشد العسكري والخدمات الطبية الملكية التابعين للقوات المسلحة الاردنية مسؤولين بالتكافل والتضامن مع ‏المدعى عليهم (إ) و (ر) و (أ) عن ضمان الاضرار التي لحقت بالمدعيين ومسؤولين عن دفع قيمة التعويض المستحق وفق ما ‏جاء بتقرير الخبرة ، وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة التمييز (لطفاً انظر تمييز حقوق رقم 2346/2008 و 2119/2008 و ‏‏196/2008).‏

وحيث ان أركان المسؤولية الطبية المدنية باعتبارها احد صور المسؤولية التقصيرية ووفق ما ذكر اعلاه قد تحققت كما تحققت ‏مسؤولية المتبوع عن اعمال تابعيه ووفق ما ذكر آنفاً ايضاً، فيكون من المتوجب الحكم للمدعيين بالتعويض الذي قدره الخبيرين ‏وهو مبلغ (45530.400) دينار، منها للمدعية (هـ) مبلغ (35030.400) دينار، وللمدعي زوجها (10500) دينار والتي تمثل ‏بدل الاضرار المادية والمعنوية ووفق ما جاء بتقرير الخبيرين.‏

(إحقاق للمحاماة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى