صورة وخبر

صدور كتاب الأخلاق بين الفلسفة والتربية للدكتورة أماني غازي جرار

أخبار الأردن-نبراس نيوز- صدر حديثاً للدكتورة أماني غازي جرار كتاباً بعنوان (الأخلاق بين الفلسفة والتربية) ، وهو كتاب صدر بدعم من وزارة الثقافة ضمن سلسلة كتب الفلسفة للشباب، وهي كتب موجهة إلى الشباب الأردني والعربي تسعى إلى تطوير الذائقة المعرفية للشباب وتحسين قدراتهم في تحصيل المعرفة المعاصرة ونقدها.

أما الأهداف الأساسية للكتاب فتتلخص في تأثير الأخلاق العميق في طريقة تصرف الفرد، فهي تحكمه بالفعل وتزوده بالأدوات الأكثر فعالية للتفكير في قضاياه الأخلاقية المتعددة، فلا يقوم المجتمع دون أسس ومعايير أخلاقية تعود على الفرد وعلى المجتمع ككل بالخير والمنفعة، و يهدف هذا المخطوط إلى تحديد البعد الفلسفي لحقوق الفرد ومسؤلياته، وتعريف الخير والشر وتحليله فلسفياً، وتحليل النظريات الأخلاقية: الأخلاق الفوقيَّة، الأخلاق المعيارية والأخلاق التطبيقية (العملية)، و تحديد مفهوم القرارات الأخلاقية، وتوجيه الفرد (والجماعات) للقيام بما هو صائب والإبتعاد عما هو خاطئ، وتهذيب السلوك، والتصرف بعقلانية.

يشير الكتاب الى أهمية إعادة الإعتبار للفلسفة مع ازدياد انتشار أدوات نشر المعلومات السطحية وسهولة الوصول إليها وازدياد حركات التطرف الديني والثقافي، وازدياد الحركات الشعبوية التي تجتاح العالم من حولنا، مما يشكل تحديا كبيرا يواجه مستقبل المعرفة الانسانية.

يهدف الكتاب الى المساهمة في بناء معارف الشباب الأردني بتراث الفلسفة الانسانيةوإنتاجها المعاصر من مختلف المدارس، وتزويدهم بالمفاهيم الأساسية في الفلسفة، وتطوير قدرات الشباب الاردني على التفكير المستقل القائم على التحليل والتفسير والنقد، واستخدام أدوات التفكير الناقد وأساليبه في حياته اليومية، والمساهمة في تأهيل وعي الشباب لمواجهة المشكلات المعاصرة
مثل العنف والتطرف والهروب والاغتراب الثقافي وغيرها.

وتعزيز قدرات الشباب الأردني على فهم الاختلاف واحترامه والعيش معاً والعيش مع الآخرين، وفي الوقت نفسه القدرة على خلق التوافق بين الأفراد والجماعات وصولا إلى التوافق العام على مستوى المجتمع.

يعالج الكتاب موضوع الأخلاق من المنظورين الفلسفي والتربوي ، حيث تعد الأخلاق إحدى المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات، فهي العنصر الاساسي من عناصر وجود أي مجتمع وبقائه واستمراره، كما أنهاً المقوم الجوهري من مقومات هويته وكيانه.

فالاخلاق تعد من أركان التربية الوطنية، لان إعداد المواطن أخلاقيا يساعد على بقاء وتماسك المجتمعات، ولا سيما أن تماسك أي مجتمع واستمرار بقائه يعتمد بالدرجة الاولى على المنظومة الاخلاقية التي تحكم سلوك أفراده وتوجهها على نحو سليم.

ويأتي الكتاب في ستة فصول ، وهي مفهوم الاخلاق في الفلسفة، أصل الاخلاق، الحاجة الى الاخلاق، الاخلاق
والحداثة، مجتمع الاخلاق، الاخلاق والتواصل الاجتماعي.

يتناول الفصل الاول (مفهوم الاخلاق في الفلسفة) ، فالبحث في علم فلسفة الاخلاق يحتاج في البداية إلى تفكيك مصطلحين أساسيين، ثم إعادة تركيبهما في وحدة اندماجية ترسم من خلالها صورة العلم ورسمه، كمقدمة أساسية وضرورية من أجل فهم أهدافه وأهميته ومنشأه وآثاره الفردية والاجتماعية وغيرها من الامور المتعلّقة بأبحاث الفلسفة.

فالاصلاح الانساني الفردي والاجتماعي وحل مشاكل البشرية، وإنقاذها من الظلم والفساد متوقف على بناء منظومة أخلاقية، وقواعد سلوكية أصيلة ويقينية وغير قابلة للشك.

يتناول الفصل الثاني (أصل الاخلاق) ، حيث يتطلب فهم أصول الاخلاق؛ ككل الصفات السلوكية منظوراً تطورياً يأخذ التطور الفكري والثقافي بالحسبان.

ومن الاجدى تحديد أصل الاخلاق بالنظر إلى الصفات الفردية، ثم الديناميكيات الجماعية التي تصيغ الاخلاق البشرية، وتشمل الصفات الفردية كالصفات الغريزية والعاطفية: مثل التعاطف والشعور بالذنب، والقدرات الادراكية؛ كالقدرة على كبح الاندفاعات والقدرة على المحاكمة العقلية، في حين تتعلق الديناميكيات الجماعية بالتعاون والمنافسة والطرق التي تتطور بها القواعد والمعايير المجتمعية، ومن المؤكد أن كل هذه العوامل الفردية والجماعية متداخلة.

ويمكن فهم الاخلاق بوصفها ميزة طبيعية ناتجة عن صفات الغرائز والعواطف المتأصلة التي يصقلها المنطق، فمن المؤكد أن للبشر ميولا للعنف والقسوة والانانية، لكن الصفات الاجتماعية التعاونية تفوقت على الميول العدوانية والانعزالية في التكيف البيولوجي والثقافي، إذ ساد التعاون والتعاطف المجتمعات الديمقراطية العلمانية أكثر مما ساد تاريخ البشر، وفي عملية التحسين الاجتماعية المستمرة يبقى المنطق والتفكير النقدي الصارم أفضل أدواتنا.

يتناول الفصل الثالث (الحاجة الى الاخلاق) ، فالمشكلة الفلسفية للمعرفة الاخلاقية تطرح عدد لا يحصى من الاسئلة التي تتناول ما يتصل بها من مفاهيم ومبادئ وقيم. مثال ذلك: ما أصل مفاهيم الخير والعدالة والشرف والكرامة؟ وهل هي وليدة التجربة أم أنها فطرية؟ ومما لا شك فيه أن الاخلاق هي الركن الاساس والاهم مطلقا في حياة الانسان، ومن أجل ذلك فإن كل الفلسفات والعلوم والحضارات تؤسس الاخلاق وتهتم بدراستها وتطوير العمل بها وتطرح على الاخلاق أسئلة الحكمة ومستجدات العصر وأحداثه، وكان من أهم الاسئلة المطروحة على الاخلاق: ما هي مكانة العقل في الاخلاق؟ وقد جاءت الاجوبة منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين ضمن محاولات التفسير لحركتي الكون والطبيعة، حيث مرت بالتفسير الالي الحركي ومنه إلى
التفسير العلمي السببي.

ونتج عن كل ذلك اقتراح المبادئ المعيارية للاخلاق والتي اختلفت من ديانة إلى ديانة ومن ثقافة إلى ثقافة، ومن فلسفة إلى أخرى!

هذه المبادئ المعيارية العقلية للاخلاق فرضت أحكاما صارمة على الانسان باعتباره آلة لتطبيق تلك المعايير الاخلاقية. وبناء عليه تأسست القوانين السياسية والنظم المدنية وكذلك المناهج التربوية والتعليمية على فكرة الالزام الخلقي للانسان وفق معايير العقل، وتم اعتبار الانسان الذي لا يلتزم هذه المعايير إنسانا لا اخلاقيا.

يتناول الفصل الرابع (الاخلاق والحداثة) ، فقد سعى الفكر الانساني في بدايات زمن الحداثة إلى تقريب الوجود من واجب الوجود، بمعنى آخر، إلى تقريب واجب الوجود (المثال)، من الانسان الواقعي بطبائعه وأهوائه.

وكانت الطبيعة عند القدامى تحمل معاني ودلالات بالنسبة للانسان، حيث أنها انسجام وتناغم وترابط، وكان الانسان يسعى إلى محاكاة الطبيعة في حياته، في نظامه الاجتماعي والسياسي. وهذا المنحى في الفكر كان لا متناهيا.  لا تحده حدود، لان الطبيعة والكون يحيلان إلى مثال مطلق.

يتناول الفصل الخامس (مجتمع الاخلاق)، نظرا لاهمية الاخلاق وما تنطوي عليه من قناعات وقيم ومبادئ واتجاهات ومهارات في تنظيم علاقات أفراد المجتمع وتوجيه أنشطتهم نحو تحقيق أهداف عامة تخدم المجتمع
الذي ينتمون إليه، فأن جميع المجتمعات في هذا العالم المعاصر تعطي أهمية قصوى لمسألة التربية الاخلاقية، بهدف إعداد المواطنين إعدادا متوازنا بحيث يعملوا على التوفيق بين أهدافهم وغاياتهم الشخصية ومطالب ومصالح المجتمع الذي ينتمون إليه.

فمن خلال التربية الاخلاقية يتم بناء المنظومة القيمة لدى المواطنين بما
يتناسب مع الثقافة والمعايير التي يستند إليها المجتمع وبما يخدم أغراضه وأهدافه وذلك على نحو يجعلهم قادرين على تحمل المسؤولية والقيام بالادوار التي ينبغي القيام بها، ومساعدة كل مواطن في المجتمع على القيام بوظيفته بكل مسؤولية وموضوعية.

وهكذا فإن التربية الاخلاقية تمثل صمام الامان والقاسم المشترك الذي يعمل كل مجتمع على توفيره وتحقيقه لدى كل المواطنين بغية النماء والتطور والحفاظ على الكينونة وتحقيق الاهداف والطموحات المشتركة.

فعلى سبيل المثال، عند التزام أفراد المجتمع بالامانة والابتعاد عن الغش فأن ذلك يشعرهم بالطمأنينة والامان حيث أنهم يدركون بأن حقوقهم محفوظة بالوقت الذي يشعرون فيه بتماسك مجتمعهم وتوفر العدالة فيه.

يتناول الفصل السادس (الاخلاق والتواصل الاجتماعي)، حيث تبرز أهمية دراسة المسؤولية الاخلاقية في
التعامل مع هذه المواقع بعد بيان تأثيرها على منظومة القيم، حيث بات من الضرورة معالجة مشكلة الاثار
السلبية لمستخدمي مواقع الاتصال الاجتماعي على قيم المنظومة الاجتماعية والاسرية، إذ مع تزايد استخدام هذا المواقع تتفاقم اثارها السلبية ليس على مستوى دولة أو أكثر وانما على مستوى العالم الانساني برمته، وفي كل الاحوال تعد الدائرة الاقرب لهذه المعالجة هي الاسرة، ومن هنا تتجلى أهمية استشعار المسؤولية الاسرية الهدف من في توظيف هذه المواقع في تعزيز القيم الايجابية لدى الابناء وتحجيم القيم السلبية.

إن هذه الكلمة التي تعالج جانبا مهما من الازمة الاخلاقية التي تعتري التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولعل من
ابرزها: التعريف بالمسؤولية الاخلاقية ومواقع التواصل الاجتماعي، وتحديد اهم معالم المسؤولية الاخلاقية في
التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك تفصيل صور المسؤولية الاخلاقية بحسب التواصل الفردي
والمشترك مع مواقع التواصل الاجتماعي، والمساهمة في معالجة أزمة أخالقيات وسائل التواصل الاجتماعي.

من هنا فإن هذا الكتاب يساعد في اتخاذ القرارات الفردية والجماعية في ضوء الرؤية الحداثية، فيأتي دور الاخلاق في هذا المخطوط لمناقشة (ماهو على المحك) أي محل الجدال، في المعضلات الاخلاقية.

إذ يمكن للأخلاق ان تخلق نسقا من المناهج الاخلاقية والحوارات والمنظومات القيمية، التي يمكن تطبيقها عند معالجة مشاكل المجتمع، وبعد تحديد كل هذه الانساق بشكل واضح، يبقى الاختيار من مسؤولية الفرد، وواجبه هو اتخاذ القرار السلوكي الصائب بشأن ما عليه فعله، وتحمل العواقب، والتصرف بشكل مناسب لتوابع ذلك القرار.

حيث أن التفكير وفق نسق أخلاقي معين بإمكانه اختزال الكثير من الطاقة المهدورة على النزاعات، فالاخلاق تعتمد
على الاسس المتغيرة للحياة الانسانية، من هنا كان لابد من بحثها فلسفيا وتربويا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى